منتديات مجلس الأدب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 في أيام الحج

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محب الأدب
الإدارة العامة
الإدارة العامة
محب الأدب


عدد المساهمات : 86
تاريخ التسجيل : 14/01/2010

في أيام الحج Empty
مُساهمةموضوع: في أيام الحج   في أيام الحج Icon_minitimeالأربعاء مارس 17, 2010 6:33 pm

حج عمر بن أبي ربيعة في عام من الأعوام على نجيب له، مخضوب بالحناء مشهر الرحل بقراب
مذهب، ومعه عبيد بن سريج على بغلة له شقراء، ومعه غلامه جناد، يقود فرساً له أدهم محجلا،
وكان عمر بن أبي ربيعة يسميه "الكوكب"، في عنقه طوق ذهب. ومع عمر جماعة من حشمه
وغلمانه ومواليه، وعليه حلة موشية يمانية، وعلى أبن سريج ثوبان هرويان مرتفعان، فلم يمروا بأحد
إلا عجب من حسن هيئتهم، وكان عمر من أعطر الناس وأحسنهم هيئة، فخرجوا من مكة يوم التروية
بعد العصر يريدون منى.
فمروا بمنزل رجل من بني عبد مناف بمنى، قد ضربت عليه فساطيطه وخيمه، ووافى الموضع
عمر فأبصر بنتا للرجل قد خرجت من قبتها، وستر جواريها دون القبة لئلا يراها من مر؛ فأشرف
عمر على النجيب، فنظر إليها، وكانت من أحسن الناس وأجملهن، فقال لها جواريها: هذا عمر بن
أبي ربيعة، فرفعت رأسها فنظرت إليه، ثم سترتها جواريها وولائدها عنه، حتى دخلت، ومضى عمر
إلى منزله وفساطيطه بمنى، وقد نظر من الجارية إلى ما تيمه، ومن جمالها إلى ما حيره فقال فيها:
نظرت إليها بالمحصبِ من منى = ولي نظرٌ - لولا التحرج - عارمُ
فقلت: أشمسٌ أم مصابيح بيعةٍ = بدت لك خلف السجفٍ أم أنت حالمُ
بعيدة مهوى القرط إما لنوفلٍ = أبوها وإما عبدُ شمس وهاشمُ
ومد عليها السجفَ يوم لقيتها = على عجلٍ تباعُها والخوادمُ
فلم أستطعها غير أن قد بدالها = على الرغمِ منها كفها المعاصمُ
معاصمُ لم تضرب على البهم بالضحا = عصاها ووجهٌ لم تلحه السمائمُ
نضير ترى فيه أساريعَ مائه = صبيحٌ تفاديه ألا كف النواعمُ
إذ ما دعت أترابها فاكتنفنها = تمايلن أو مالت بهن المآكمُ
طلبن الصبا حتى إذا ما أصبنهُ = نزعن وهن المسلماتُ الظوالمُ

ثم قال لأبن سريج: يا أبا يحيى، إني تفكرت في رجوعنا مع العشية إلى مكة مع كثرة الزحام
والغبار وجلبة الحاج، فثقل عليّ؛ فهل لك أن نروح رواحاً طيباً معتزلاً، فنرى فيه من راح صادراً
إلى المدينة من أهلها، ونرى أهل العراق والشام، ونتعلل في عشيتنا وليلتنا ونستريح؟ قال: وأني ذلك
يا أبا الخطاب؟ قال: على كثيب أبي شحوة، المشرف على بطن يأجج بين منى وسرف فنبصره
مرور الحاج بنا ونراهم ولا يرونا. قال أبن سريج: طيب والله يا سيدي.
فدعا بعض خدمه فقال: أذهبوا إلى الدار بمكة، فأعملوا لنا سفرة واحملوها مع شراب إلى الكثيب،
حتى إذا أبردنا، ورمينا الجمرة صرنا إليكم.
فصارا إليه فأكلا وشربا، فلما انتشيا أخذ أبن سريج الدف فنقره، وجعل يغنب، وهم ينظرون إلى
الحاج، فلما أمسيا رفع لأبن سريج صوته فغنى في الشعر الذي قاله عمر، فسمعه الركبان، فجعلوا
يصيحون به: يا صاحب الصوت؛ أما تتقي الله فقد حسبت الناس عن مناسكهم! فيسكت قليلاً، حتى
إذا مضوا رفع صوته، وقد أخذ فيه الشراب، فيقف آخرون، إلى أن مرت قطعة من الليل؛ فوقف
عليه في الليل رجل على فرس عتيق عربي مرح مستن، فهو كأنه ثمل، حتى وقف بأصل الكثيب
وثنى رجله على قربوس سرجه، ثم نادى: يا صاحب الصوت؛ أيسهل عليك أن ترد شيئاً مما سمعته؟
قال: نعم ونعمة عين، فأيها تريد؟ قال: تعيد عليّ:
ألا يا غراب البين مالك كلما = نعبت بفقدان عليّ تحوم
أبا لبين من عفراء أنت مخبري = عدمتك من طيرٍ فأنت مشومُ

فأعاده، ثم قال له أبن سريج: ازدد إن شئت، فقال غننى:
أمسلم إني يابن كل خليفةٍ = ويا فارس الهيجا ويا قمرَ الأرض
شكرتك إن الشكرَ حبلٌ من التقى = وما كلُ من أقرضتهُ نعمةً يقضي
ونوهتَ لي باسمي وما كان خاملاً = ولكن بعض الذكر أنبهُ من بعضِ
فغناه، فقال له: الثالث، ولا أستزيدك، فقال ما شئت، فقال: تغنيني:
يا دارُ أقوت بالجزع فالكثب = بين مسيلِ العذيبِ فالرحب
لم تتقنع بفضلِ مئزرها = دعدٌ ولم تسقَ دعدُ في العلبِ

فغناه، فقال لن أبن سريج: أبقيت لك حاجة؟ قال: نعم، تنزل إليّ لأخاطبك شفاهاً بما أريد، فقال له
عمر: أنزل إليه، فنزل، فقال له: لولا أني أريد وداع الكعبة وقد تقدمني ثقلي وغلماني لأطلت المقام
معك، ولنزلت عندكم، ولكني أخاف أن يفضحني الصبح، ولو كان ثقلي معي لما رضيت لك
بالهويني، ولكن خذ حلى هذه وخاتمي ولا تخدع عنهما، فإن شراءهما ألف وخمسمائة دينار، ثم قال
له: بالله أنت أبن سريج؟ قال: نعم، قال: حياك الله.
وهذا عمر بن أبي ربيعة؟ قال: نعم، قال حياك الله يا أبا الخطاب! فقال له: وأنت فحياك الله! قد
عرفتنا فعرفنا نفسك، قال: لا يمكنني ذلك، فغضب أبن سريج وقال: والله لو كنت يزيد بن عبد الملك
لما زاد، فقال له: أنا يزيد أبن عبد الملك! فوثب إليه عمر فأعظمه، وأبن سريج فقبل ركابه، ثم مضى
يزيد إلى ثقله، ودفع أبن سريج الحلة ولخاتم إلى عمر فأعطاه إياهما، وقال له: إن هذين بك أشبه
منهما بي، فأعطاه عمر ثلاثمائة دينار وغدا فيهما إلى المسجد، فعرفهما الناس، وجعلوا يتعجبون
ويقولون: كأنهما والله حلة يزيد بن عبد الملك وخاتمه، ثم يسألون عمر فيخبرهم أن يزيد بن عبد
الملك كساه ذلك
!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
في أيام الحج
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات مجلس الأدب :: المجلــــــــس العــــــــام :: مجلس المنوعات-
انتقل الى: