شــــعـــر رقــــيــــــق

قال إسحاق الموصلي: حضر مسامرة الرشيد عبثر المغنى - وكان فصيحاً متأدباً، علي الشعر، ذا
صوت حسن - فتذا كورا رقة شعر المدنيين، فأنشد بعض جلسائه أبياتاً لابن الدمينة حيث يقول:
وأذكر أيام الحمى ثم أثْني = على كبدي من خشيةٍ أن تَصَدَّعا
وليستْ عشيَّات الحمى برواجع = عليك ولكنْ خلَّ عينيك تدمعاَ
بكتْ عيني اليمنى فلما زجرتُها = عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معاَ
فأعجب الرشيد برقة الأبيات، فقال له عبثر: يا أمير المؤمنين، أن هذا الشعر مدني رقيق، قد غذى
بماء العقيق، حتى رق وصفا، فصار أصفى من الهواء، ولن إن شاء أمير المؤمنين أنشدته ما هو
ارق ممن هذا وأحلى، وأصلب وأقوى لرجل من أهل البادية! قال: فإني اشاء، قال: وأترنم به أمير
المؤمنين؟ قال وذلك لك، فغنى لجرير:
أن الذين غدُوا بلبك غادروا = وشَلاً بعينك لا يزال معينا
غيّضن من عبرتهنَّ وقلب لي: = ماذا لقيت من الهوى ولقينا
قال: صدقت يا عبثر، وخلع عليه وأجازه

بارك الله فيك يا محب الأدب